السبت، 12 نوفمبر 2022

الدجال و طلوع الشمس والدابة وخروج النار و الدخان وعلامات الساعة و(نزول عيسى عليه السلام) و2.

 

الدجال .. ماذا أعددنا لمواجهته ..؟ (2

سلمان بن يحي المالكي

slman_955@hotmail.com 

الدجال .. ماذا أعددنا لمواجهته ..؟ (1

لماذا سمي المسيح الدجال بالمسيح ..؟

سمي بالمسيح لأنه ممسوح العين ، وهذه التسمية بهذه الصيغة مشتقة من أسم المفعول أي ممسوح العين بخلاف المسيح ابن مريم الذي اشتق اسمه من اسم الفاعل الماسح ، لأنه كان يمسح على المريض فيبرأ ، وقيل لأن دجل معناها غطى وموه ، ولذلك يقال دجل الإناء بالذهب أي غطاه ، وذلك لأن هذا الدجال سيغطي الأرض بكفره ، وقيل لأنه سيشمل الأرض ويغطيها برحلته الطويلة التي سيقطعها في زمن قصير .

 

هل الدجال شرط من أشراط الساعة .؟

أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " أن الساعة لا تقوم حتى تكونَ عشرُ أيات ، الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس .. إلى آخر الحديث " فالدجال ظهوره من أشراط الساعه ، وأشراط الساعة منها صغرى ومنها كبرى ، وأشراط الساعة ابتدأت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن أول علامات الساعة الصغرى هي : موت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهناك علامات الساعة الكبرى عشرة ومنها الدجال ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل وكسبت في إيمانها خيرا ، طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض " وخروج الدجال من الفتن التي تقع منه ، وهذا الحديث يشير إلى آية موجودة في كتاب الله وهي قوله عز وجل " يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً .." فالمقصود بقول الله عز وجل بعض أيات ربك منها : الدجال ، وهذا الذي يُجاب به على بعض الناس الذين يقولون : لماذا لم يُذكر الدجال في القرآن ؟ فنقول : أنه قد ذكر ضمنا ، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حذر الأمة وقال " بادروا بالأعمال ستا وذكر منها : الدجال

الدجال أكبر فتنة موجودة على ظهر الأرض على الإطلاق

روى حديث الدجال عدد من العلماء ومن أوسع من روى له الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه والإمام أحمد رحمه الله في مسنده ، وكثير من الأحاديث التي وردت في الدجال صحيحة وثابتة ، وهذا ما سأعتمد عليه بإذن الله تعالى ومن تلك الأحاديث :

1. قوله صلى الله عليه وسلم " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال " وفي رواية " أمر أكبر من الدجال " [ فمن خلق آدم إلى يوم القيامة لا توجد فتنة أكبر من فتنة الدجال ] .

2. وروى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : إني لأُنذرُكُمُوه ، وما من نبي إلا أنذر قومه ، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه : إنه أعور وإن الله ليس بأعور " .

3. وقال صلى الله عليه وسلم " إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذر قومه ، وقد أنذره نوح قومَه ولكني سأقول فيه قولا لم يقله نبي لقومه ، تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور " .

4. وقال عليه الصلاة والسلام " غيرَ الدجال أخْوَفُنِي عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجكم دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم " [ أي أن الله ولي كل مسلم وحافظ ومعين لكل مسلم على هذه الفتنة ] .

5. وقال صلى الله عليه وسلم " فأما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا حذر أمته ، وسأحذركموه بحديث لم يحذره نبي أمته "

 

========

 

 

 

طلوع الشمس والدابة وخروج النار

 

د. خالد سعد النجار

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

** في صحيح مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: (مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: (إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ -فَذَكَرَ-: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ)

** قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الإنعام:158]

قوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} أي علامات الساعة منها طلوع الشمس من مغربها.

فبعد ذكر الحجج وإنزال الآيات التي هي أكبر بينة على صحة التوحيد وبطلان الشرك، والعادلون بربهم الأصنام ما زالوا في موقفهم المعادي للحق ودعوته ورسوله، فأنزل الله تعالى قوله: {هل ينظرون} أي ما ينتظرون {إلا أن تأتيهم الملائكة} لقبض أروحهم، {أو يأتي ربك} يوم القيامة لفضل القضاء، {أو يأتي بعض آيات ربك} الدالة على قرب الساعة كطلوع الشمس من مغاربها .. إن موقف الإِصرار على التكذيب هو موقف المنتظر لما ذكر تعالى من الملائكة ومجىء الرب تعالى أو مجىء علامات الساعة للفناء.

** روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} ... وهذا تفسير للآية السالفة، وعليه تحمل {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} فالسنة الصحيحة من أصح وأوثق الطرق لتفسير كتاب الله تعالى.

** وقوله تعالى {يوم يأتي بعض آيات ربك} الدالة على قرب الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها، إيذاناً بقرب ساعة الفناء في هذه الحال يخبر تعالى أن نفساً لم تكن آمنت قبل ظهور هذه الآية لو آمنت بعد ظهورها لا يقبل منها إيمانها ولا تنتفع به لأنه أصبح إيماناً اضطرارياً لا اختيارياً.

// كما أن نفساً آمنت به قبل الآية، ولكن لم تكسب في إيمانها خيراً وأرادت أن تكسب الخير، فإن ذلك لا ينفعها فلا تثاب عليه، لأن باب التوبة مفتوح إلى هذا اليوم -وهو يوم طلوع الشمس من مغربها- فإنه يغلق.

** عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) [مسلم]

** وعَنْ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) [أبو داود]

وفي رواية لأحمد: (وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتْ التَّوْبَةُ، وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ) [إسناده صحيح]

** وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)

// أيضا الإيمان بالغيب ينفع إذا كان اختيارا من العبد، أما إذا وجدت الآيات صار الأمر شهادة، ولا يصبح للإيمان فائدة، كإيمان فرعون لما أدركه الغرق، وكحال الأمم السابقة المعذبة .. قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 84-85]

فإذا طلعت الشمس من مغربها انتهت المسألة وسيؤمن كل الناس اضطرارا.

** وروى البخاري عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ: (أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟) قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ})

** وروى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمًا: (أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ ذَاكَ؟ حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}

** ورغم أن الدجال ونزول عيسى عليه السلام قبل طلوع الشمس من مغربها إلا أنه ورد أن أول الآيات -أي السماوية- طلوع الشمس من مغربها، كما في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنه- قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا)

** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ الدُّخَانَ أَوْ الدَّجَّالَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ [الموت] أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ [قيام الساعة]) [مسلم]

** وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إِذَا خَرَجَتْ أَوَّلُ الْآيَاتِ حُبِسَتِ الْحَفَظَةُ، وَطُرِحَتِ الْأَقْلَامُ، وَشَهِدَتِ الْأَجْسَادُ عَلَى الْأَعْمَالِ [خرجه ابن جرير الطبري] وهو موقوف له حكم الرفع

** وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ) قال بعض العلماء: «الدجال» القصد منه «الدخان» وإنما التصحيف من الراوي والله أعلم

الدابة ،،،،،،،

** قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل:82]

{وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} أي حق العذاب على الكافرين، حيث لم يبق في الأرض من يأمر بمعروف، ولا من ينهى عن منكر [أيسر التفاسير]

والوقوع مستعار لحلول وقته، وذلك من وقت تهيؤ العالم للفناء إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.

فالمعنى: إذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه فيهم من العذاب، أخرج لهم دابة تنفذ من الأرض.

وروي أن خروجها حين ينقطع الخير، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يبقى منيب ولا تائب.

قال ابن مسعود: {وقع القول عليهم} يكون بموت العلماء، وذهاب العلم، ورفع القرآن.

** وقوله تعالى: {تُكَلِّمُهُمْ} والأصح أنها تتكلم، واختلف القول أنها بماذا تتكلم؟ فأحد القولين: أن كلامها أن هذا مؤمن وهذا كافر، والقول الآخر: أنها تتكلم بما قال الله تعالى: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}: أي بسبب أن الناس أصبحوا لا يؤمنون بآيات الله وشرائعه أي كفروا فيبلون بهذه الدابة.

والمراد بإخبارها إياهم بذلك التحسر على ما فاتهم من الإيقان بما قرب وقوعه، وظهور بطلان ما اعتقدوه فيه، ومؤاخذتهم على التكذيب به أشد مؤاخذة، وفي ذلك استدعاء لأمثالهم إلى ترك ما هم عليه مما شاركوهم به من التكذيب وإنكار البعث.

** وسبق ذكر الحديث الشريف: (إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا)

** وقد رويت في وصف هذه الدابة ووقت خروجها ومكانه أخبار مضطربة ضعيفة الأسانيد.

** عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ [من الغَمْرة: وهي الزحمة من الناس] حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْبَعِيرَ فَيَقُولُ مِمَّنْ اشْتَرَيْتَهُ فَيَقُولُ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أَحَدِ الْمُخَطَّمِينَ) [مسند أحمد، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح]

** وبعد طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة تأتي الريح .. فروى مسلم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَدْعُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ يَا عُقْبَةُ اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ عُقْبَةُ هُوَ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ) فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَجَلْ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ إِلَّا قَبَضَتْهُ ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ)

// وفي رواية لمسلم: (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ .. فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ [خفة العقول] وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ [طبائع عدوانية] لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا. قَالَ: وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ قَالَ فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ أَوْ قَالَ يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوْ الظِّلُّ -نُعْمَانُ الشَّاكُّ- فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ})

نار المحشر ،،،،،

** وهي آخر علامة من علامات الساعة الكبرى، وبعدها النفخ في الصور، وفي الحديث: (وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ)

** روى البخاري عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ قَالَ:

مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟

وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟

وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ [باعتبار أنها على وشك قيامها] فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ. وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ .. )

** ورد في الحديث: (وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ)

في رواية لأبي داود: (وَآخِرُ ذَلِكَ تَخْرُجُ نَارٌ مِنَ الْيَمَنِ، مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ)

وفي رواية: (فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ)

قال الحافظ ابن حجر: وفي حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم رفعه تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ويكون لها ما سقط منهم وتخلف تسوقهم سوق الجمل الكسير.

وقد أشكل الجمع بين هذه الأخبار وظهر لي في وجه الجمع أن كونها تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها، والمراد بقوله (تحشر الناس من المشرق إلى المغرب) إرادة تعميم الحشر لا خصوص المشرق والمغرب أو أنها بعد الانتشار أول ما تحشر أهل المشرق، ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائما من المشرق .. وأما جعل الغاية إلى المغرب فلأن الشام بالنسبة إلى المشرق مغرب [فتح الباري]

** عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ) [الترمذي وصححه الألباني]

وفي رواية لمسلم: (وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ)

** عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ) [الترمذي]

** وثبت في الصحيحين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا).

** وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-، يَقُولُ: (يَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَخْرُجُ خِيَارُ الأَرْضِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَيَبْقَى فِي الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلفظتْهُمْ أَرْضُوهُمْ وتقذرهم نَفْسُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ) [أبو داود]

وفي خبر: الظهر يقل لما يلقى عليه من الآفة، وأن الرجل يشتري الشارف الواحد بالحديقة المعجبة، وأن من تخلف أكلته النار.

** آخر من يحشر .. عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِ يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا) [البخاري ومسلم] .. نهاية الناس على كوكب الأرض، ثم ينفخ في الصور نفخة الصعق.

** عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ، وَالْمَنْشَرِ). [رواه أبو داود وابن ماجة بسند صحيح]

 

 

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

 

=========

 

 

 

الدخان وعلامات الساعة

 

د. خالد سعد النجار

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

** قال تعالى في سورة الدخان: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ{10} يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ{11} رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ{12} أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ{13} ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ{14} إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ{15} يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ{16}

 

** قال علي بن طالب، وابن عمر، وابن عباس، وسعيد الخدري، وزيد بن علي، والحسن: هو دخان يجيء يوم القيامة، يصيب المؤمن منه مثل الزكام، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين، حتى تكون مصليَّة حنيذة. وتكون الأرض كلها كبيت أُوقد فيه نار، ليس فيه خِصاص، ويؤيد هذا حديث حذيفة: «أول الآيات الدخان، ونزول عيسى، ونار تخرج من عدن، تسوق الناس إلى الحشر، تقيل معهم إذا قالوا . . . » الحديث

وقال ابن مسعود، وأبو العالية، والنخعي: هو الدخان الذي رأته قريش.

 

** قال البخاري في صحيحه: بَابُ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] قَالَ قَتَادَةُ: " فَارْتَقِبْ: فَانْتَظِرْ " .. عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [ابن مسعود]، قَالَ: "مَضَى خَمْسٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ [المراد به قوله تعالى {غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} وقد مضت غلبة الروم على فارس يوم الحديبية]، وَالقَمَرُ [أي انشقاقه]، وَالبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ " [المراد به قوله سبحانه وتعالى {فسوف يكون لزاما} أي يكون عذابهم لازما، قالوا: وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر وهي البطشة الكبرى]

بَابُ {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11] .. عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا، لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا العِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان:11] قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ، قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ» [أي ذو جرأة حيث إنك تشرك بالله تعالى وتطلب الرحمة منه لك ولمن على شاكلتك] فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان:15] فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان:16] قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ

بَابُ قَوْلِهِ: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] .. عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّ مِنَ العِلْمِ أَنْ تَقُولَ لِمَا لاَ تَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ" فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُوا فِيهَا العِظَامَ وَالمَيْتَةَ مِنَ الجَهْدِ، حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجُوعِ، قَالُوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَادُوا، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا، فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] .. انتهى بلفظه من صحيح البخاري.

 

** وفي صحيح مسلم: عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ جُلُوسًا، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ [باب الكوفة] يَقُصُّ وَيَزْعُمُ، أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ: يَا أَيَّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ، مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا، فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ: لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا، فَقَالَ: «اللهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ» قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ [أي استأصلته]، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجُوعِ، وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15]، قَالَ: أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان:16] فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ، وَآيَةُ الرُّومِ

قوله: «أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ؟» .. هذا استفهام إنكار على من يقول إن الدخان يكون يوم القيامة، فقال ابن مسعود هذا قول باطل لأن الله تعالى قال {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الآخرة وإنما هو في الدنيا

 

** وأخرج عبد بن حميد، عن محمد بن سيرين قال: قال ابن مسعود: كل ما وعدنا الله ورسوله، فقد رأيناه غير أربع: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، فأما الدخان فقد مضى وكان سني كسني يوسف، وأما القمر فقد انشق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما البطشة الكبرى فيوم بدر .

 

** وفي صحيح مسلم أيضا أن الدخان من أشراط الساعة .. فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: " إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ -فَذَكَرَ- الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ "

 

** قال محمد فؤاد عبد الباقي في التعليق على صحيح مسلم: هذا الحديث يؤيد قول من قال إن الدخان يأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام وأنه لم يأت بعد وإنما يكون قريبا من قيام الساعة،

وإنكار ابن مسعود عليه وإنه قال إنما هو عبارة عما نال قريش من القحط حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان

وقد وافق ابن مسعود جماعة وقال بالقول الآخر حذيفة وابن عمر والحسن ورواه حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما

ويحتمل أنهما دخانان للجمع بين هذه الآثار

 

** وقال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان: ولا مانع من حمل الآية الكريمة على الدخانين: الدخان الذي مضى، والدخان المستقبل، جمعاً بين الأدلة.

 

 

 

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

 

========

 

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة أشراط الساعة -  5 (نزول عيسى عليه السلام)

25 من المحرم 1427 الموافق : 24/2/2006م

مهران ماهر عثمان نوري

مسجد خالد بن الوليد بالخرطوم – أركويت 63


بسم الله الرحمن الرحيم

أشراط الساعة -  5 (نزول عيسى عليه السلام)

خطبة 25 من المحرم 1427 الموافق : 24/2/2006م

===================================================================

الخطبة الأولى :

إن الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل الله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ (([1]))، } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ (([2]))  ، }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ (([3])) . أما بعد ؛

فإنَّ من أشراط الساعة الكبرى نزول عيسى عليه السلام ، ولا إيمان لمن لم يؤمن بذلك ؛ لتواتر النقل عن رسول الله r به كما سيأتي بيانه .

عباد الله :

في الليلة التي عُرِج فيها بالنبي r رأى عيسى عليه السلام فنعته لأمته ، فجاء في نعته أنه رجل رَبْعةٌ (([4])) ، عريض الصدر (([5])) ، آدم (([6]))، أحمر (([7])) . ولا منافاة بين الروايتين ، فعيسى عليه السلام أسمر وفي سمرته حمرة . وهو جَعد (([8]))، وشعره لِمَّةٌ (([9])) .

وقد دلَّت ثلاث آيات على نزوله r قبل قيام الساعة .

الآية الأولى : قوله تعالى :} وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا { (([10])) .

يقول العلامة ابن كثير رحمه الله :" والضمير في قوله }قبل موته{ عائد على عيسى عليه السلام، أي : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه، فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزيةَ ولا يقبل إلا الإسلام " (([11])). فيضع الجزية لأنهم يدخلون في الإسلام .

والضمير في قوله تعالى :} إلا ليؤمنن به قبل موته{ راجع لعيسى عليه السلام كما قال ابن كثير ، ويؤيد هذا ما يلي :

هذا هو الظاهر وبه تنسجم الآيات (([12])).

على هذا القول يكون مُفَسَّرُ الضمير ملفوظاً به ، وإذا اخترنا غير ذلك احتاج الكلام إلى تقدير ، وحمل الكلام على ما لا يحتاج إلى تقدير هو الأصل((2)).

الأحاديث التي تبين نزوله آخر الزمان كما سيأتي .

هذا قول الأكثرين . قال الحافظ في الفتح (([13])) :" وبهذا جزم ابن عباس فيما رواه بن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد صحيح ، ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال : قبل موت عيسى ، والله إنه الآن لحي ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون . ونقله عن أكثر أهل العلم ، ورجحه ابن جرير وغيره".

وهو الظاهر من حديث أبي هريرة t الذي سيأتي معنا .

الدليل الثاني من القرآن :

قوله تعالى :} وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{ (([14])) . لعِلْم : أي نزوله علامة من علامات الساعة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما :" }وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ { قَالَ : هُوَ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (([15])). وقال القرطبي رحمه الله :" وقرأ ابن عباس وأبو هريرة و قتادة و مالك بن دينار و الضحاك : وإنه لعَلَمٌ للساعة ، بفتح العين واللام . أي : أمارة " (([16])).

وأما الدليل القرآني الثالث :

فقوله تعالى عن عيسى e  :} وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ{ (([17])). وقد ذُكر لنا كلامُه في مهده:}قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا{ (([18])).

وأما كلامه حال كهولته فعندما ينزل آخر الزمان . فقد أورد الطبري عن ابن زيد رحمه الله :" قد كلمهم عيسى في المهد ، وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل" (([19]))، ونقل البغوي عن الحسين بن الفضل في تأويل قوله تعالى:}وكهلاً{ قال :" بعد نزوله من السماء" (([20]))، وقال البيضاوي : " وكهلاً : بعد نزوله " (([21])) ، ونقل ذلك ابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله عنهما (([22])) .

وأما الأدلة من السنة النَّبوية فأكثر من أن تحصر في هذا المقام ، ولكني أذكر منها ما يلي :

الحديث الأول :

عن أبي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) . قال  أَبُو هُرَيْرَةَ : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ :}وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا{ (([23])) . فبين النبي e في هذا الحديث أنه ينزل آخر الزمان ، فيسود العدل ، ويدعو إلى الإسلام. وقد فسر أبو هريرة الآية بنزول عيسى آخر الزمان وإيمان أهل الكتاب به ؛ لأنه لا يقبل إلا الإسلام .

ومن الأحاديث ما جاء عن أبي هريرة t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ)) (([24])).

ومنها قوله e :((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ e حَكَمًا مُقْسِطًا)) (([25])).

ومنها حديث حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ : اطَّلَعَ النَّبِيُّ e عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ ، فَقَالَ :((مَا تَذَاكَرُونَ)) ؟  قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ . قَالَ :((إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ : الدُّخَانَ ، وَالدَّجَّالَ ، وَالدَّابَّةَ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ e ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ)) (([26])).

ومن الأحاديث في ذلك قوله e :(( عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ : عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ ، وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَام)) (([27])).

ومنها قوله e :((لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ - يَعْنِي عِيسَى e - وَإِنَّهُ نَازِلٌ)) (([28])).

فكيف لإنسانٍ يؤمن بالله أن ينكر هذه الأحاديث .. ألا لا إيمان لمن أنكر هذه الأحاديث ، وسأورد من كلام علمائنا رحمهم الله ما يدل لذلك .

عباد الله :

إنَّ أحاديث نزول عيسى عليه السلام بلغت حدَّ التواتر (([29]))، وهذه أقوال بعض علمائنا رحمهم الله التي تدل لذلك :

قال الإمام الطبري رحمه الله – بعد ذكر الخلاف في مسألة وفاة عيسى e - :" وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال : معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إلي لتواتر الأخبار عن رسول الله r أنه قال : ((ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال)) " (([30])) .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :" وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله e  أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً ، وحكماً مقسطاً " (([31])) .

وقال العلامة صديق حسن خان بعدما أورد أحاديث نزوله عليه السلام :" جميع ما سقناه بالغ حدَّ التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطِّلاع " (([32]))  .

وللشيخ العلامة محمد أنور شاه الكشميري كتاب (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) .

وقال الغُماري :" تواتر هذا – أي : أحاديث نزول عيسى e - تواتراً لا شكَّ فيه ، بحيث لا يصح أن ينكره إلا الجهلة الأغبياء ؛ كالقاديانية ومن نحا نحوَهم " (([33])).

وقال في عون المعبود :" تواترت الأخبار عن النبي e في نزول عيسى بن مريم من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة ، وهذا هو مذهب أهل السنة " (([34])) .

وقال العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله :" نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون ، لورود الأخبار الصحاح عن النبيe بذلك ، وهذا معلوم من الدين بالضرورة ، لا يُؤمِنُ من أنكره " (([35])). ماذا تقول يا إمام ؟ لم يختلف فيه المسلمون ! إذاً فمن أنكر ذلك فليبحث عن موضعٍ لقدميه ؛ فإنه ليس بمسلمٍ .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :" اعلم أن أحاديث الدجال ونزول عيسى عليه السلام متواترة يجب الإيمان بها"(([36])) .

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعنا بما فيه من آيات وذكر حكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ، إنه غفور رحيم .



[1] / آل عمران (102) .
[2] / أول سورة النساء .
[3] / الأحزاب (70-71) .
[4] / البخاري ومسلم . والرَّبْعَةُ : معتدل الطول ليس بالطويل ولا بالقصير .
[5] / صحيح البخاري .
[6] / البخاري ومسلم . والآدم الأسمر .
[7] / البخاري .
[8] / يُطلق الجعد ويراد به المدح والذم ، فإن أريد به مدح فهو من اخشوشن شعره ، أو المجتمع بعضه إلى بعض وهذا هو المراد من الحديث ، ومنه قول طرفه : أنا الرجل الجعد الذي تعرفونه . وإن أريد به ذم فهو اللئيم أو البخيل .
[9] / اللِمَّة من استرسل شعره إلى شحمة أذنيه ، فإن بلغ منكبيه فهو جُمَّةٌ .
[10] / النساء (157-159) .
[11] / تفسير القرآن العظيم (1/367) .
[12] / راجع لزاماً أضواء البيان (7/129-138) .
[13] / (6/492) .
[14] / الزخرف (57-61) .
[15] / أحمد .
[16] / تفسير القرطبي (16/91) .
[17] / آل عمران (46) .
[18] / مريم (30-33) .
[19] / جامع البيان (3/270) .
[20] / تفسير البغوي ، ص (38) .
[21] / أنوار التنزيل ، ص (40) .
[22] / انظر زاد المسير (1/390) .
[23] / البخاري ومسلم .
[24] / البخاري ومسلم .
[25] / البخاري ومسلم .
[26] / مسلم .
[27] / أحمد والنسائي .
[28] / أبو داود .
[29] / الحديث المتواتر ما رواه جمع غفير عن جمع غفير من مبدأ الإسناد إلى منتهاه بحيث تُحيل العادة تواطأهم على الكذب .
[30] / جامع البيان (3/287) .
[31] / تفسير القرآن العظيم (4/167) .
[32] / الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ، ص (160) .
[33] / عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام ، ص (5) .
[34] / عون المعبود (11/307) .
[35] / حاشية تفسير الطبري (6/460) .
[36] / حاشية شرح الطحاوية .
=======

 

{2}.أشراط الساعة الكبرى3  نزول عيسى عليه السلام

الشيخ محمد السبر - جامع الأميرة موضي السديري الرياض ألقيت بتاريخ 29- 3 - 1440هـ

إن الحمد لله .. وبعد ،،

عباد الله: اليوم نتحدث إن شاء الله تعالى عن علامة من علامات الساعة العظمى علامة عجيبة ضل فيها أقوام وهدى الله آخرين للحق والبصيرة، إنها قصة نبي الله عيسى عليه السلام تلكم القصة مختلفة عن قصص سائر النبيين ، وتحيط الغرابة من بعض جوانبها كرفعه إلى السماء حياً ونزوله في آخر الزمان، ولكن هذه الغرابة لم تأت عبثاً بل جاءت من لدن حكيم عليم وأنه على كل شيء قدير.

واليوم سنسلط الضوء على سيرة هذا النبي الكريم تكملةً لما بدأناه في خطب ماضية عن أشراط الساعة، ودحضاً لمزاعم وشبهات مثارة حول هذا النبي الكريم.

هذا الرسول عليه السلام الذي افترقت البشرية بشأنه إلى فريقين كبيرين فريق يؤمن به كبشر أرسله الله لهداية الناس إلى ربهم وفريق يؤمن به رباً وشريكاً وابناً لله الواحد الأحد -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-.

فقبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم بأكثر من خمسمائة عام حملت الصديقة الطاهرة التي أحصنت فرجها مريم ابنة عمران جنيناً وهي عذراء لم تتزوج، حملته بكلمة الله: كن ، فكان عيسى عليه السلام، وولدته في مجتمع وثني مشرك يعبد الأصنام ويقدس المادة ويؤمن بالمحسوسات، ولد ليكون هادياً ومعلماً ومرشداً للناس إلى خالقهم، أنطقه ربه صبياً في المهد دلالةً على نبوته وعلامةً على صدقه وآيةً ومعجزةً بأن الله واحد لا يعجزه شيء وأنه على كل شيء قدير، فكان أول ما نطق به أن شهد لله بالوحدانية وشهد على نفسه بالعبودية:(فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً*قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً * وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً*وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً).

عاش حياته كلها داعياً إلى هذه العبودية، ودأب على تعبيد الناس لربهم وترك عبادة الأوثان والأصنام إلا أن بني إسرائيل أحفاد القردة والخنازير قتلة الأنبياء وعبدة العجل عارضوه وآذوه أشد الإيذاء هو وأتباعه وأنزلوا بهم أصناف العذاب, وأرادوا قتله فحال الله بينهم وبين ما يشتهون وألقى الشَّبَه على أحد حوارييه فقتله اليهود, ورفع الله نبيه إلى السماء بعد أن قام بمهمته على أكمل وجه، وبعد أن نشر بذور التوحيد في مجتمع الشرك والجاهلية: ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيما) ، ووعد سبحانه بأنه سيعيده إلى الأرض آخر الزمان وجعل هذه العودة من علامات يوم القيامة المؤذنة بخراب العالم وفنائه حيث قال تعالى: (وإنه لعِلمٌ للساعة فلا تمترن بها..) أي أن نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة علامة على قرب الساعة ويدل على ذلك القراءة الأخرى:( وإنه لعَلَمُ للساعة) بفتح العين واللام."تفسير القرطبي"

كما أخبر سبحانه أن أهل الكتاب سيؤمنون به: ( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) [النساء:159] . أي: ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك عند نزوله من السماء آخر الزمان، حتى تكون الملة واحدة، ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً.

ووردت صفته في الأحاديث الشريفة بأنه رجل مربوع القامة ليس بالطويل ولا بالقصير أحمر جعد- مكتنز اللحم- عريض الصدر سبط الشعر كأنما خرج من ديماس -أي حمام- له لِمة قد رجّلها تملأ ما بين منكبيه.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال:" أُراني ليلةً عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راءٍ من أدم الرجال له لِمَّةٌ كأحسن ما أنت راءٍ من اللِمَم قد رجَّلها فهي تقطر ماءً متكئاً على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا ؟! فقيل هذا المسيح ابن مريم" متفق عليه.

ينزل عليه السلام بعد خروج الدجال ونشر فتنته وإفساده في الأرض فيقتله وهو أول عمل يقوم به بعد نزوله ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق قال صلى الله عليه وسلم:" ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين - مهرودتين- ( أي حلتين مصبوغتين بورس أو زعفران( واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسه إلا مات، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه - أي يطلب عيسى الدجالَ- حتى يدركه بباب لُد فيقتله ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسحُ وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة".رواه مسلم .

وقال عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسرُ الصليب ويقتلُ الخنزير ويضعُ الحرب ويفيضُ المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة خير من الدنيا وما فيها " متفق عليه.

ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق وتكون مجتمعة لقتال الدجال وقد أقيمت الصلاة والمهدي إمامها فيقول لعيسى يا روح الله تقدم فيقول: لا بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة فيصلي عيسى خلفه.

وقد تلمس العلماء الحكمة من نزوله في آخر الزمان، فقالوا للرد على اليهود الذين قالوا إنهم قتلوه فبين الله كذبهم وأنه هو الذي يقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال ورجح هذا القول الحافظ ابن حجر.

وقيل: إن عيسى عليه السلام وجد في الإنجيل فضل هذه الأمة المحمدية كما في قوله تعالى : ( ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ) فدعا الله أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل آخر الزمان مجدداً لأمر الإسلام. قال الامام مالك رحمه الله:" بلغني أن  النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون : والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا"، قال ابن كثير: " وصدقوا في ذلك ، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة والأخبار المتداولة " أهـ.

وقيل : إن نزول عيسى عليه السلام من السماء لدنو أجله ليدفن في الأرض ؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها ، فيوافق نزوله خروج الدجال فيقتله عيسى عليه السلام .

وقيل إنه ينزل مكذبا للنصارى فيظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل، ويهلك الله الملل كُلَها في زمنه إلا الإسلام فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية.

ينزل عليه السلام فيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يأتي بشرع جديد أو دين مستحدث، ينكر على النصارى ما هم عليه من الشرك والضلال والغلو، قال صلى الله عليه وسلم :" والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير" رواه مسلم. ويكون حاكماً من حكام المسلمين ومجدداً لأمر الإسلام ومن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، ينزل وقد علمه الله هذه الشريعة ليعمل بها ويحكّمها بين الناس ومما يؤكد ذلك صلاته مع المسلمين وحجه وجهاده للكفار أتباع الدجال، روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" والذي نفسي بيده ليهلّنّ ابن مريم بفج الروحاء ، (موضع قرب المدينة) ، حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما ".

وأما زمانه عليه السلام فزمان رخاء وأمن وسلام يرسل الله فيه المطر الغزير وتخرج الأرض ثمرتها وبركتها ويفيض المال وتذهب الشحناء والتباغض والتحاسد، وينزع الله سم كل ذي سم حتى يلعب الأولاد بالحيات والعقارب فلا تضرهم وينعدم القتال وتنبت الأرض نبتها حتى يجتمع النفر على القطف من العنب والرمان ، كل ذلك مستفاد من الأخبار والآثار المستفيضة والمشهورة ، ففي حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر الدجال ونزول عيسى عليه السلام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، أي كالمرآة ، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرِّسل ، أي اللبن ، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ".

وقال عليه الصلاة والسلام :" وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه نازل .. فيهلك الله في زمانه المسيح الدجال وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم " رواه أحمد وصححه ابن حجر.

وقال عليه الصلاة والسلام :" والله لينزلن عيسى ابن مريم حكماً عادلاً.. وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد".

ومعنى هذا الحديث كما قال النووي رحمه الله :( أي يزهد الناس في الإبل ولا يرغبون في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب القيامة) .

ويمكث على هذه الحال سبع سنين، قال صلى الله عليه وسلم:" ثم يمكث سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته " وفي رواية أبي داود:" فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ". والروايتان صحيحتان والجمع بينهما أنه لما رفع إلى السماء كان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة ثم ينزل فيمكث سبع سنين فيصبح مجموع عمره أربعين سنة والله أعلم .

أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

إن سيرة هذا النبي الكريم فيها وقفات ومواقف لا يتسع المقام لسردها لكننا سنقتصر على ذكر الأهم، فمنها أن عيسى عليه السلام ليس رباً ولا إلهاً كما يزعم ذلك عبدة الصلبان بل هو بشر من ولد آدم : ( إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) وذكر الله على لسانه هو  في أصدق كتاب في القرآن الكريم ( قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) .

عيسى يأكل ويشرب وينام ويقوم ويستريح ويمرض، أما الله تعالى فمنزه عن هذا كله:( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ). ولو كان عيسى ربا  لما كان جنيناً في رحم أمه في ظلمات ثلاث ثم يخرج إلى الحياة ليعيش طفلاً كسائر الأطفال يقع ويتعثر يضحك ويبكي ثم يشب على هذه الحال تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

عيسى بن مريم لم يصلب على الخشبة فداءً للبشرية وتكفيراً لخطيئة أبيها آدم كما زعموا ، فالرب ليس بحاجة إلى هذه المسرحية الهزيلة فهو الحكم العدل، وجل سبحانه أن يعذب البشرية بسبب خطيئة أبيها!. فـــ ( تزر وازرة وزر أخرى ) . إنها تخرّصات وتحريفات وضعتها مخيلة القساوسة والرهبان ، ولقد رد الله كذبهم وكشف زيف باطلهم يوم أن قال: ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) .

ونكمل الحديث في الجمعة القادمة - بحول الله - عن بقية أشراط الساعة الكبرى خروج يأجوج ومأجوج. أسأل الله أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، وتوفنا وأنت راض عنا وأرضنا وارض عنا..

==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

* يمتنع مع لام القَبْلِ أن تسري دلالات الآيات التالية

 يمتنع ان تكون اللام بمعني قبل في الحالات * يمتنع مع لام القَبْلِ أن تسري دلالات الآيات التالية ========== يمتنع مع لام القَبْلِ أن تس...